الخميس، 31 يناير 2013


                           حالة المجتمع الدولي السا ئدة اثناء الحرب الباردة 1945 ـ 1991م.     


          بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية التنافس الذي بدأ بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية , والشرق بزعامة الإتحاد السوفيتي ( السابق) ودول أوربا الشرقية وبعض من دول العالم الثالث ومن هنا  نشأ النظام الدولي الذي كان سائداً إبان الحرب الباردة 1945 ــ1991 م. وقد   مر النظام الدولي في هذه الحقبة بعدة مراحل نقسمها كالتالي :           
 المرحله الأولي  :  الممتدة من عام 1945 ـ 1948م والتي يمكن أن يطلق عليها ,   (مرحلة التحالف غير المستقر) وقد بدا فيها  تفوقاً نووياً أمريكياً حتي عام 1955م وسباقاً ضخماً في التسلح بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي , كما شهدة إهتماماً سوفيتياً في منطقة الشرق الأوسط وسيطرة فرنسية بريطانية علي بلدان هذه المنطقة لمصلحة الولايات المتحدة بهدف إبعاد الإتحاد السوفيتي عن هذه المنطقة . 
        كما رفض السوفيت سحب قواتهم من شمال إيران وقاموا بتسليح حزب (تؤدة) الشيوعي وتشجيع حركة التمرد شمال إيران , وإزاء ذلك طلب شاه إيران من الولايات المتحدة إخماد التمرد , لكن القوات السوفيتية حالت دون تدخل القوات الأمريكية , واستطاع الجنرال الأمريكي شوارتزكوف ــ والد الجنرال شوارتزكوف قائد عملية عاصفة الصحراء في حرب الخليج الثانية في اغسطس 1990م ــ قيادة قوات الشاه ليبسط الأمن في شمال إيران , وبحلول ديسمبر 1946م سقطت الحركة الإنفصالية في شمال إيران ودخلت تحت سلطة طهران , وترتب علي ذلك إلغاء موسكو إتفاقية 1925م مع تركيا وطالبة بتقديم قاعدة للسوفيت في منطقة المضايق( البسفور والدردنيل) وإعادة منطقتي كارس واردوهان إلي السوفيت.       
   
    وشهدة مرحلته الثانية والتي كانت علي امتداد نفس المرحلة الأولي ما بين عامي 1948ـ1955م والتي كان يطلق عليها(مرحلة الثنائية القطبية  الجامدة)واعتبرت هذه المرحلة نهاية النفوذ النووي الأمريكي  وذلك باستعانة الاتحاد السوفيتي بجميع العلماء ذوي الميول الشيوعية في الغرب للحصول على أسرار صناعة القنبلة النووية ، كما استقطب عدداً من العلماء الألمان بعد استسلام ألمانيا، وقام العالم البريطاني المشارك في صناعة القنبلة الذرية الأمريكية (كلاوس فوخس Klaus Fuchs ) وهو شيوعي سابق من أصل ألماني هاجر إلى بريطانيا عام 1933م واكتسب جنسيتها, بتسريب أسرار القنبلة إلى السوفييت مما مكّنهم من تسريع برنامجهم وإختبار أول قنبلة انشطارية (RDS1 أو Joe-1)* في 29 أغسطس من عام 1949م في جنوب سيبيريا  وبذلك حطّم الاتحاد السوفيتي الاحتكار الذري الأمريكي .(1) وفي نفس العام 4 ابريل 1949 تأسس حلف الناتو في بروكسل .                      
          وتعد هذه المرحلة أيضا استمراراً لإحتكار النفوذ الإنجليزي الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط و اشتداد التوتر والصراع الأمريكي السوفيتي وتمحور الصراع حول كل منهما من مجموعة من الدول بإعتبارهما القطبين البارزين في تلك الحقبة ومن هذا المنطلق انقسم العالم إلي كتلتين متصارعتين , ومن هنا سمية هذه المرحلة (الحرب الباردة الأولي) وترتب علي كل هذه العوامل عدة نتائج منها ظهور قضية فلسطين1948م في بداية تلك المرحلة , وكان لكلتا القوتين العظميين دوراً فعال في قيام دولة إسرائيل 1949م , وكانتا من أوائل المعترفين بقيامها من أول وهلة , مما أدي إلي بروز شعور مناهض للإتحاد السوفيتي في الوطن العربي , دفعه إلي تقليص دعمه لإسرائيل و الاهتمام بسوريا ومصر بعد ثورة 1952 والتي كانت نواة لصفقة الأسلحة التشيكية لمصر عام 1955م  بعد رفض الغرب تسليح مصر بعد قيام ثورة 1952م .

أما ( المرحلة الثالثة ) الممتدة من عام 1955 ـ 1962م (مرحلة الثنائي القطبية المرنة) فقد تميزت هذه المرحلة بنشوب الخلافات داخل كل من الكتلتين الشرقية والغربية , وسعي الإتحاد السوفيتي في هذه المرحلة إلي الصداقة مع العرب , كما شهدت تلك المرحلة مجموعة من المتغبرات , أهمها ؛ إنتقال الصراع من أوروبا وآسيا إلي منطقة الشرق الأوسط ، حيث بدأ بالصفقة التشيكية ، ثم حلف بغداد 1955م ، ثم حرب السويس عام 1956 م , وتلاها مبدأ إيزنهاور عام 1957م وإنزال القوات الأمريكية في لبنان عام 1958م ,وتأثرة المنطقة العربية بالحياد الإيجابي وبحركة عدم الإنحياز التي كانت مصر احد مؤسسيها وانضم إليها بعض  من الدول العربية في تلك الفترة        
      وقد أدان السوفييت قيام حلف بغداد , وتعهدوا في بيان رسمي بالدفاع عن دول الشرق الأوسط التي تتعرض لضغوط من قبل الدول الأمبريالية لإجبارها علي التحالف , وقد أُعتبر حلف بغداد حلقة من سلسلة مخططات ومؤامرات الغرب التي تهدف إلي السيطرة علي الشرق الأوسط , والتسلط علي ثرواته الطبيعية ,ومن هذا المنطلق أعاد السوفييت النظر في سياسته الخارجية تجاه الشرق الأوسط ,إلي سياسة الأفعال نظراَ لسياسة التطويق لحدوده الجنوبيه
                                                                    
    وما إن جاء عام 1960م إذ إنتقلت الحرب الباردة إلي كل من أفريقيا وأمريكا اللاتينية , ففي افريقيا كان زعمائها قد قاسوا من الاستعمار وكانوا يكرهون الغرب بطبيعتهم وبتطلعون إلي مساعدة السوفييت, امثال نكروما وسيكتوري ولومومبا وغيرهم * أما في امريكا اللاتينية , فقد كانت الحرب الباردة علي أشدها في كوبا ونجاح الثورة الكوبية علي باتستا بقيادة كاسترو وقيام النظام الإشتراكي هناك , ثم1962م وأزمة الصواريخ السوفيتية النووية في كوبا التي كادت ان يؤدي إلي حرب عالمية ثالثة, مع أنه إجراء مشروع من ناحية القانون الدولي وأن أمريكا لم تر في حلف بغداد الأداة الفاعلة لحماية مصالحها ومنع تغلغل السوفييتي في الشرق الأوسط خصوصاَ بعد اختراقه من العمق بطلب مصر أسلحة من السوفييت وكانت هذه هي الفرصة الذهبية لتحقيق الإختراق المنشود , وقد رأى السوفييت أن تزويد دول الشرق الأوسط بالأسلحة هو الوسيلة المناسبة لذلك , بعد أن هدأت جبهة جنوب شرق آسيا.

المرحلة الرابعة  الممتدة من 1962ـ 1971م ( مرحلة التعا يش السلمي ) بدأت هذه المرحلة بأسلحة الدمار الشامل في أزمة ما يسمي بأزمة كوبا ,  وكان شعار تلك المرحلة التفاوض لا الموجهة , والتفاهم غير المعلن علي القضايا المصيرية ,والحد من التسلح النووي , وقد شهدة تلك المرحلة حرب 5 بونيو1967والتي أدت بالمساس بالمكانة الأمريكية , وما قابلها من جهود سوفيتية للبحث عن موطئ قدم في المنطقة , أدت إلي إعتماد مصر وسورية علي السوفييت , والتي أدي إلي التنافس الأمريكي/السوفيتي في المنطقة        
         وهكذا  بدأـ كل من الدولتين بالتأكيد علي أهمية التعاون وفهم مسببات السلام المتبادل إلا أن في يونيو 1963م ألقي الرئيس الأمريكي كيندي خطابأ في إحدي الجامعات في واشنطن يعتبر حداَ فاصلاً بين مرحلتين قدم فيها الخطوط العامة لمبرراته ببذل جهد لتخفيف حدة التوتر مع السوفييت , " التاريخ يعلمنا أن عداوة الشعوب وكذلك الأفراد لا تدوم للأبد 0000"وبعد ستة أسابيع فقط من خطاب كيندي في 25يوليو1963م وقع السوفييت والأمريكان وبريطانيا علي ميثاق تحريم الإختبارات النووية المحدودة وإتفقوا علي عدم إجراء تجارب لأسلحة نووية في الجو أو تحت الماء  أو في الفضاء .          
      وتم في هذا الإطار إنشاء خط ساخن HOT LINE بين البيت الأبيض والكرملين بهدف دعم الأتصال المباشر في أوقات الأزمات لإستجلاء الأمور لعدم تصاعد الأزمات عن طريق الخطأ في الحسابات أو سوء التقدير إلي مستوي الصراعات المسلحة.   فضلاَ عن السياسة العقلانية التي تميز بها الطرفان في أزمة كوبا , والتي انتهت بسحب الصواريخ النووية مقابل تعهد خطي من الرئيس الأمريكي كيندي بألا تقدم أمريكا علي غزو كوبا , وهكذا أصبحت الحرب الباردة متداخلة في سائر أنواع العلاقات بين العملاقين , وقد أدي التقارب العسكري بينهما إلي بلوغ حالة الإسترخاء , وقد جاء هذا التغيير الجوهري بعد أن شهدت العلاقات ذروة التردي في الأزمة الكوبية والحرب الفيتنامية والكورية الأمر الذي كان حافزاَ لدخول العلاقات بينهما مرحلة جديدة   

 المرحلة الخامسة والممتدة كذلك من 1971ـ 1985م وهي التي كانت تسمي( مرحلة الإنفراج /  الوفاق الدولي  ) , وقد تميزت هذه المرحلة بتراجع الولايات المتحدة والإتحاد  السوفيتي  عن فكرة حتمية الصراع والحرب العسكرية بينهما مع قبول التنافس الإيديولوجي ( التنافس القائم علي المصلحة) السلمي علي نطاق العالم الثالث. وقد حملت تلك المرحلة معها الكثير من الأحداث الخطيرة علي الساحة العربية كانت تحركها القوي العظمي  عملت علي تهديد وانهيار النظام الأقليمي العربي ونظرية الأمن القومي العربي منذ وفاة زعيم الأمة العربية جمال عبد الناصر .
      والإنفراج ليس إتفاقاً ؛ لأن الإتفاق تحالف بين بلدان ذات مصالح مشتركة , أمّا الإنفراج فتفاهم بين دول ذات مصالح متباينة , وتلك هي الحالة القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي السابق .
 وخلال هذه الفترة شهدة البيئة الأقليمية والدولية منذ منتصف عقد الثمانينيات من القرن العشرين أحداث أدت إلي تغيرات إقليمية جذرية في منطقة الشرق الأوسط  وتركت أثر فيه وفي البيئة الدولية , منها مشكلة شط العرب بين العراق وايران وما تلاها من احداث عام 1975م واتفاقية الجزائر بين العراق وإيران علي شط العرب , والثورة الإيرانية الإسلامية 1979م ومحاولة تصدير الثورة , والتي تحولت فيها إيران من حليف للغرب في عهد الشاة إلي موقع العداوة والمواجهة مع الغرب , إلإ أنها لم تنضم للمعسكر الشرقي , ثم تلاها حرب الخليج الأولي بين العراق وإيران1980ـ 1988م , إنهاء المقاطعة العربية لمصر بعد مصرع السادات علي يد الجامعات الإسلامية عام 1981م   
             واهم حدث في هذه المرحلة حرب اكتوبر المجيدة عام 1973م أو الجولة الرابعة من الصراع العربي الإسرائيلي, ومحاولة وقف إطلاق النار والجولات المكوكية لوزير الخارجية الامريكي كيسنجر إلي الشرق الأوسط.

      ولقد أكد فلادمير ايلج اوليانوف ( لينين) علي  عملية الوفاق الدولي وأول من وضع هذا المبدأ  ونادي به , وإعتماداً علي فهمة لمبدأ التعايش السلمي جري إنتهاج سياسة الوفاق  الدولي والتي تعني : الإنتقال من سياسة الحرب الباردة ومواقع القوة إلي العلاقات الطبيعية بين الدول , وإقامة علاقات التعاون المتكافئ في الحقوق بين دول  النظاميين الإجتماعية المختلفة , أي أنها السياسة التي تنقل الدول من مواقع التوتر والحذر والترصد , إلي مواقع التعاون والتنمية , وخلق علاقات جديدة متنوعة كالإقتصاد والعلوم والثقافة وغيرها من المجالات  .  وعلي هذا التعريف ـ يري الباحث ـ  أن الوفاق الدولي هو درجة خاصة دائماً علي إستعداد لحل النزاعات والمشاكل الدولية و الإقليمية بالوسائل السلمية وليس بالقوة أو التلويح والتهديد بتلك القوة مهما كانت هذه القوة والتوجه نحو التعاون والبناء.                               (   يتبع)
د /   حبيب

السبت، 26 يناير 2013


        النظام الدولي إبان الحرب الباردة
                                                                        عام 1945 ـ 1991م
           أسفرت الحرب العالمية الثانية عن تشكيل نظام عالمي جديد إذ إنهار النظام العالمي القديم القائم علي توازن القوي كأحد نتائج الحرب , وظهر نظاماً عالمياً ثنائي القطبية وكانت الولايات المتحدة علي رأس كتلة بينما كان الإتحاد السوفيتي (السابق) علي رأس الكتلة الأخري0)ويشير إصطلاح الحرب الباردة الذي شاع إستخدامه في السياسة الدولية في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية إلي وجود حالة من العداء المتفاقم بين الكتلتين الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية , والشرقية بزعامة الإتحاد السوفيتي (السابق) , وقد تميزت المراحل الأولي من تطور الحرب الباردة بوجود مناخ عالمي يمتلئ بكل أسباب الصراع المذهبي والتوتر السياسي , والتهديد الدبلوماسي , والحرب النفسية , والدعايات المضادة , والضغوط الإقتصادية , وتصاعد أخطار سباق التسلح بصورة لم يسبق لها مثيل , وتفجر العديد من الحروب المحلية والصراعات الإقليمية المسلحة في مناطق عديدة من العالم مثل كوريا والهند الصينية والشرق الأوسط                                                                             إذ سرعان ما ظهرت الخلافات بين الحلفاء المنتصرين في الحرب علي المحور إذ شدد الإتحاد السوفيتي سيطرته علي دول شرق أوربا التي حررتها الجيوش السوفيتية من الألمان بينما لجأت دول غرب أوربا إلي الولايات المتحدة للحصول علي المعونات الإقتصادية والحماية العسكرية ضد أي محاولة للسوفيت للتوسع غرباً 0 وحقيقة الأمر فإن العداء بين الدول الغربية والإتحاد السوفيتي له جذور ترجع إلي قيام الثورة البلشيفية في عام 1917م إذ خشيت هذه الدول من خطورة تسرب الأفكار الشيوعية إلي بقية أجزاء العالم , وأقدمت كل من الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة وفرنسا علي التدخل عسكريا ضمن جيوش أربعة عشر بلداً بهدف القضاء علي الثورة الشيوعية , لكنهم فشلوا , وكان نتيجة ذلك اتبعت هذه الدول سياسة الحزام الصحي لمنع الامتداد الشيوعي   فأصبحت روسيا معزولة دبلوماسياً و مادياً , وحاول المعسكر الغربي  القضاء علي المحاولات الثورية التي قامت , إما عن طريق تحطيم النظم الشيوعية التي أنشأتها , أو حاولوا إنشائها في المجر, وفي بفاريا , وفي المانيا , وأما عن طريق تهدئة الطبقة العاملة , بإرضاء بعض مطالبها القديمة , مثل الإنتخابات العامة في بريطانيا ,و بلجيكا , والتأمين ضد البطالة في بريطانيا وقانون الثماني ساعات في فرنسا0ونِتيجة لعقد صلات إقتصادية فالسيطرة الإقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية,وتقسيم العالم إلي ايديولوجيتين مختلفتين ومتنافستين ولكن أحداً لم يكن يتوقع إستمرارالأمر لفترة طويلة, إذ أنهم كانوا ينظرون إلي النظام السوفيتي علي أنه لا يقدر علي الحياة نتيجة عدة عوامل منها, إرتفاع الأسعار,والأزمات المالية ,وفقدان الأمل عند جزء كبير من الشباب , وقد اعتبروا كل هذا له طبيعة مرحلية فقط.       

        بداية الحرب الباردة.                   Beginning of the Cold War                        

             من الممكن القول أن الحرب الباردة قد بدأت من قاعة الحفلات في قصر ليفاديا , المقر الصيفي السابق لقيصر روسيا في مدينة (يالطـا )* بمنطقة القرم بالإتحاد السوفيتي السابق (دولة أوكرانيا حاليا)ً 0فقد إجتمع كل من رئيس الوزراء السوفيتي"جوزيف ستالين",ورئيس الوزراء البريطاني "ونستون تشرشل" والرئيس الأمريكي " فرانكلين روزفلت" , وهناك في الفترة من الرابع إلي الحادي عشر من فبراير عام1945م , للبحث في طبيعة السلام الذي يجب أن يسود في أعقاب الحرب العالمية الثانية , ولكن السلام لم ينشأ في مؤتمر يالطا , بل علي العكس هو الصحيح0                                                                                                               
           ولم يستطع أغلبية الباحثون والعلماء في العلاقات الدولية , إعطاء فترة زمنية محددة لبداية هذه الحرب , إلا أن الغالبية من الباحثين يتفقون علي أن5مارس عام 1946مهي البداية الحقيقية لهذه الحرب ولهم أسبابهم , وهي أن دعا تشرشل في خطاب له إلي تأسيس وتشكيل الاتحاد العسكري(الأنجلوـ أمريكي) لمواجهة خطر الشيوعية القادم من الشرق ,وهناك آراء عديدة بهذا الصدد ,واعتبروا أن البداية من مؤتمر سان فرانسيسكوعام 1945,وآخرون يرون أن مبدأ ترومان هو الذي يعد اساساً لها , ولذا من الصعوبة إعطاء تاريخ محدد لهذه الحرب. 
           وقد لجأت القوي الغربية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية في إطار تبنيها لسياسة تجاه الإتحاد السوفيتي السابق , وكان من المتعيّّن علي هذه الدول في ظل هذه الأوضاع أن تعمل علي وضع خطة شاملة تمكِّنها من التصدّي لهذه الأخطار الشيوعيّة التي باتت تهدّد مصالحها وقيمها الإيديولوجية وقد تمثّلت هذه الإستراتيجيّة فيما عرف آنذاك بسياسة الإحتواء policy of containment   وقد رصدت لتنفيذ هذه الإستراتيجبة عدة نقاط أهمها مايلي:ـ
   أ ـ الأحلاف العسكرية                                                         Military alliances 1 ـ منظمة حلف شمال الأطلنطي.             North Atlantic Treaty Organization       
                      وتعرف اختصارًا بحلف ( N.A.T.O  ) وترتدُ بدايات هذه المنظمة العسكريّة إلي ما كان يعرف بميثاق بروكسل الدفاعي الذي أ ُبرم في مارس 1947م ووقّّـعت عليه كلّ من بريطانيا , فرنسا , هولندا , بلجيكا , لوكسمبورج , وكان الهدف من ذلك تأمين دول أوربا الغربية من التهديدات السوفيتية , إلا أنه في العام التالي للتوقيع علي هذا الميثاق وافق مجلس الشيوخ الأمريكي علي إنضمام الولايات المتحدة الأمريكية إلي الترتيبات الدفاعية الأوربية , وقد اسفرت هذه المباحثات علي إبرام معاهدة حلف شمال الأطلنطي في أبريل 1949م .
                    وقد ضم حلف الاطلنطي في عضويته إلي جانب الولايات المتحدة الأمريكية دول ميثاق بروكسل الخمس فضلاً عن ست دول أخري هي إيطاليا , أيسلندا , الدانمرك, النرويج, البرتغال, وكندا وليصبح عدد الدول المؤسسة للحلف اثنتا عشر دولة , وقد أعقب ذلك انضمام عدّة دول مثل تركيا, واليونان(1952)والمانيا الغربية (1955) واسبانيا(1981) .      
          وبقيام حلف شمال الأطلنطي بدأ اعتماد الولايات المتحدة علي سياسة الأحلاف لتطويق وحصار الاتحاد السوفيتي ومنع امتداد نفوذه , وأكدت أن الروس طامعون في السيطرة علي العالم وأن الشعوب الحرة يجب أن تنظم نفسها مع حلفائها لكي تتصدي لهذا الخطر الداهم , وأن اطماع السوفييت في منطقة الشرق الأوسط ظاهرة ولا تحتاج إلي شرح مطول لإدراكه 
         وبقيام حلف ( الناتو ) عام 1949م  أ ُلزمت الولايات المتحدة الأمريكية من هذا التاريخ بالدفاع عن أوربا الغربية , في أول " تحالف معقد" رسمي لها , وهو وضع كان الرئيس الأمريكي الأول جورج واشنطن  (1789-1797 ) قد حزر من مغبته, وقد جاء حلف الناتو نتيجة التفوق العسكري التقليدي السوفيتي في أوربا الشرقية, إذ قامت الولايات المتحدة بأسرع تسريح للقوات المسلحة في التاريخ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية, حيث قلصت جيشها من 3, 8 مليون فرداً تقريباً في عام 1945م إلي نصف مليون فرد بحلول عام 1948م ولكن الجيش الأحمر حافظ علي وجود عسكري أكبر بكثير في وسط أوربا , هذا ما يمكنه من القدرة علي  إكتساح أوربا الغربية بسرعة إذا ما اراد ستالين أو من خلفوه للقيام بذلك , فإن الخطط العسكرية الأمريكية كانت تدعو إلي الرد بالأسلحة الذرية وفيما بعد بالأسلحة النووية , إلا أن حلفاء أمريكا الأوروبيين كانوا متخوفين بطبيعة الحال لأن العديد من تلك القنابل  كانت ستسقط علي أراضيهم . 
              وقد مارس الإتحاد السوفيتي الضغط علي الدول الاثني عشر التي أعلنت عن مشاركتها في الحلف , مقدماً مذكرة لكل منهم  , توصف إقدامها علي المشاركة في الحلف بالعدوانية , وخلال الخمس أشهر التالية  لتوقيع الدول علي الاتفاقية , صدقت المجالس النيابية لتلك الدول علي ميثاق الحلف الذي أصبح نافذاً اعتباراً من تاريخ 24 اغسطس1949م, وبدأت مقدمة الميثاق , بتأكيد الدول الموقعة عليه , إيمانهم بميثاق الأمم المتحدة , ومبادئه , ورغبتهم في الحياة بسلام, مع الشعوب والحكومات الأخرى, وأكدوا حفظ حرية شعوبهم وحضاراتهم , القائمة علي مبادئ الديمقراطية , وحرية الفرد وسيادة القانون,وقد اشترطوا لعضوية الحلف , توافر نظام ديمقراطي,وتعدد الأحزاب, وحرية الفرد للدول الأعضاء قوام هذا سلطة الدستور
          وقد نصت المادة الرابعة من ميثاق الناتو"سوف تتشاور الدول الأعضاء كلما بدا, في رأي إحداها , أن سلامة أراضي أحد الأعضاء أو استقلاله السياسي أو أمنه عرضة للخطر" ولو أجرينا قراءة سياسية لهذه المادة , فأننا نري وبوضوح تام لا يقبل الشك بأن هذه المادة نصت علي التهديد بالعدوان , كما أن التشاور لا يتم في حالة التهديد بالعدوان علي إحدى الدول الأعضاء,كما أن إذا استلم السلطة احزاب شيوعية أوأحزاب أخري يسارية فأنها تتعاطف معها.  هذا ولا يزال حلف الأطلنطي حتي الآن يمثل حجر الزاوية في المنظومة الدفاعية للدول الغربية , بالرغم عن مضي أكثر من نصف قرن علي إنشائه , وقد طرأت علي عضوية الحلف عدّة تغيرات عبر مراحل حياته. إلا أن هذا الحلف يختلف عن جميع المعاهدات والأحلاف السابقة فكان "موجهاّ بوضوح ضد الإتحاد السوفيتي وإن لم يرد أسم الأخير".
         وقد حدث أن فرنسا في مارس عام 1966م قد انسحبت من الجناح العسكري للحلف في عهد ديجول , وبناءًا علي ذلك نُقل مقر الحلف من باريس إلي بروكسل , وبعد سقوط الإتحاد السوفيتي , انضم إليه بعض دول أوربا الشرقية , وبعض الدول التي استقلّت عن الإتحاد السوفيتي السابق. وذلك فضلاً عن توسع نطاق عملياته بما يتيح للدول المتحالفة إمكانية التدخل العسكري في مناطق مختلفة من العالم دفاعاً عن مصالحها

          2ـ حلف جنوب شرق آسيا   South East Asia Treaty Organization       
                منذ بدأت الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي في عام 1947، تقوم استراتيجية الغرب، على فكرة حصار الاتحاد السوفيتي  السابق والدول التابعة له داخل نطاق الأحلاف والتكتلات المعادية للشيوعية والموالية للغرب، وبذلك أصبحت سياسة إنشاء الأحلاف مكوِّنة للخط الرئيسي في سياسة الغرب في قيام توازن للقوى في مصلحته عن طريق هذه الأحلاف التي تسمح بإحاطة الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية وعزلهما، وفي ضوء هذه السياسة قام حلف جنوب شرق آسيا.
          وبذلك إنتقل خط المواجهة بين القوتين العظميين من أوربا علي جنوب شرق آسيا , إذ قيّمت الولايات المتحدة الوضع هناك كتحدٍ ذي أولوية بعدما سيطر الشيوعيون بقيادة "ماوتسي تونج" علي الصين في عام 1949م وأكدت أنهم يعدون للهجوم علي تايوان. حيث انتصر الشيوعيون في الحرب الأهلية الصينية في ذلك العام نفسه 1949م ,وظهرت الصين الشيوعية في آسيا كمارد يهدد الإستعمار الغربي في الشرق الأقصي.  
        وقد تم إبرام معاهدة الحلف في سبتمبر عام 1945 , وهو يضمُ إلي جانب كلً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأستراليا بعض دول منطقة جنوب شرق آسيا مثل باكستان وتايلاند ونيوزيلندا والفلبين( وهي مقر الحلف ؛ لذا يعرف أحياناً بحلف مانيلا), ويعرف إختصاراً بحلف  .. S.E.A.T.o (1) وبتأسيس هذا الحلف العسكري , لم تقتصر الحرب الباردة علي أوروبا وحدها , بل تسربت إلي جميع أرجاء العالم وعلي الأخص في أسيا.    
     3 ـ حلف الأنزوس .A.N.Z.U.S.       
          معاهدة أمنية تم إبرامها بين استراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة الأمريكية في سان فرانسيسكو في سبتمبر 1951. تنص بنود المعاهدة على أن كلاً من الدول الموقعة تدرك بأن هجوماً مسلحاً على أي من الدولتين الأخريين في "منطقة المحيط الهادئ" من شأنه أن يعرّض "سلامها وسلامتها للخطر". وقد كان إبرام هذا الحلف نقطة تحول في المواقف الدفاعية لأستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة (التي لم تكن من الدول الموقعة واستبعدت من المشاركة). وأعادت استراليا ونيوزيلندا تحديد أولياتهما الزمنية وتحولتا إلى الولايات المتحدة بوصفها القوة الحامية، والتي كانت قد تولت هذا الدور في الواقع منذ سقوط سنغافورة (1942). وبموجب شروط الحلف قام فيلق من استراليا ونيوزيلندا بالقتال في فيتنام. بين عامي 1965 و1973م و قتل قرابة469 من أفراده.
           وقد خلقت إتفاقية الأنزوس إلتزاماً في جنوب غرب المحيط الهادي , وبذلك أصبحت الولايات المتحدة مسئولة عن الدفاع عن نصف الكرة الغربي بأكمله.(1) وقد جاء إنشاء هذا الحلف كرد فعل علي وصول الشيوعيون إلي السلطة في الصين عام 1949م , الأمر الذي أثار مخاوف الولايات المتحدة من إنتشار الشيوعية في جنوب شرق آسيا وأستراليا.
          وفي الفترة قريبة العهد ظهرت توترات خطيرة في التحالف من جراء التزام حكومة نيوزيلندا بمحيط هادئ خال من الأسلحة النووية. ولابد من أن مستقبله كحلف ثلاثي حقيقي قد أصبح موضع شك من جراء ذلك لم تكن نيوزيلندا تنوي أن يكون حظر الزيارات من قبل السفن الحربية الأمريكية التي تسير بالقوة النووية إيذاناً بنهاية مشاركتها في المعاهدة. لكن الولايات المتحدة رأت في ذلك عدم الوفاء بالتزامات المعاهدة وأعلنت أن الضمان الأمني المعطى إلى نيوزيلندا لم يعد ساري المفعول. وأصبح مركز نيوزيلندا الآن مركز "بلد صديق" وليس مركز الشريك في تحالف ثلاثي.
3ـ حلف بغداد                 Baghdad pact  (C.E.N.T.O)      
            ويعرف بحلف المعاهدة المركزية , في أعقاب نجاح الغرب في تطويق الإتحاد السوفيتي من الغرب من خلال  حلف شمال الأطلسي ( الناتو) ومن الجنوب من خلال حلف جنوب شرق آسيا , سعت الولايات المتحدة إلي سدّ الثغرة في المناطق الواقعة في النطاق ما بين الحلفين , وقد جاء حلف بغداد لتجسيد هذه الفكرة , والتي تبناها جون فاستر دالاس, وزير خارجية الولايات المتحدة في الخمسينات هي فكرة الحزام الشمالي Northern Tier , والتي مفادها قيام حلف دفاعي موالٍِِ للغرب يضم الدول الواقعة في شمال منطقة الشرق الأوسط بحيث يشكل حزاماً امنياً واقعياً, يعمل علي إستحالة التغلغل السوفيتي في الشرق الأوسط  وكانت هذه الفكرة هي محور زيارة دالاس إلي الشرق الأوسط التي استغرقت عشرون يوماّ من9ـ29مايو1953ولكن دالاس خرج بنتيجة مختلفة وهي أن معظم دول المنطقة ترفض الأحلاف وأنها مشغولة بالصراع مع إسرائيل ومع بريطانيا وفرنسا , كما لاحظ تزايد العداء العربي للغرب ومعارضة غالبيتهم للإنضمام إلي أي ترتيبات دفاعية تتزعمها الدول الغربية, ولا يمكن أن يقوم حلف إلا بمبادرة من دول المنطقة , ولكنه خرج بنتيجة تجعل من الممكن تنفيذ الفكرة وهي إستعداد تركيا والعراق للمبادرة مثل هذه الخطوة.                                    وكانت النواة الأولي لهذا الحلف ما عُرف بالميثاق التركي ـ العراقي(حلف نوري ـ مندريس) في عام1955والتي بادرت بريطانيا وباكستان وإيران بالإنضمام إليه , واصبح يعرف بحلف بغداد , وقد رفضت الولايات المتحدة الإنضمام إليه بصورة كاملة ـ بالرغم انها المحرضة علي إنشائه ـ وتركت قيادة الحزب لبريطانيا واكتفت بالمشاركه في بعض لجانه 

ب ـ الدبلوماسية الإقتصادية          Economic diplomacy

        في عام 1947م كان الشيوعيون قد أحكموا السيطرة علي بولندا وبلغاريا ورومانيا ويوغوسلافيا, وقد بدأوا ـ فورا ـ  دون أن تواجههم أية مقاومة في السيطرة علي تشيكوسلوفاكيا والمجر , وكانت المانيا ثد شطرت نفسها ـ دون رحمة ـ إلي قسمين عبر خطوط الشرق والغرب , وكانت الولايات المتحدة قد بدأت ـ في الفترة ما بعد الحرب ـ سياسات إقتصادية بدت للسوفيت أنها قد وُضعت خصيصاّ لعزل وتهديد الدول الشيوعية في أوروبا وكانت هذه السياسات ضمن مشروعين أساسيين , مشروع ترومان ومشروع مارشال 

1 ـ مشروع ( مبدأ )  ترومان0           Truman Doctrine

          ويعد مبدأ ترومان البداية الفعلية للحرب الباردة ، وقام المبدأ علي أساس  نظرية الإحتواء التي تؤكد علي أن إحتواء الإتحاد السوفيتي داخل مناطق نفوذه وتشديد الضغط عليه يحقق هدفين رئيسيين هما . 
       مقاومة التوسع السوفيتي وللحيلولة دون ابتلاعه دولاً جديدة .
       إجباره علي التخلي عن استراتيجية التوسع تحت تأثير الضغط الغربي , الذي يمكن أن ينتهي بتدمير الإتحاد السوفيتي  نفسه , أو بدفع موسكو إلي استخدام القوة لتحقيق أهدافها ولقد اتخذ للتطبيق العملي لهذه السياسة شكل تطويق الاتحاد السوفيتي بجدار عازل من الأهداف والقواعد العسكرية في كل مكان وهو ما عرف ب (الستار الحديدي).  
          ومبدأ ترومان تتعهد فيه الولايات المتحدة الأمريكية بدعم الشعوب التي تقاوم قهر الأقليات المسلحة أو الضغوط الخارجية , وقد اعتبر السوفييت مبدأ ترومان هذا محاولة من الولايات المتحدة الأمريكية للزج بنفسها في منطقة من العالم بعيداّ عن دائرتها التقليدية , واعتبروا أن تحركات الولايات المتحدة الأمريكية لها معني واحد وهي تحركات عدائية المقصود به السوفييت
           وقد واجهت الولايات المتحدة معضلة في احتواء النفوذ السوفيتي في (العالم الثالث )* , وهي كيف تستطيع الموائمة بين إتْباع سياسة لا تظهر وكأنها تدعم سياسة الإمبراطوريات الإستعمارية المضمحلة(بريطانيا , فرنسا) وكذلك الأنظمة الحاكمة المرتبطة بهما في العالم الثالث من ناحية, ومن ناحية أخري كيف تستطيع أن تحد من تزايد القوي الثورية(قوي التحرر الوطني ) التي أخذت تزداد انتشاراّ , إذ تري أن هذه الحركات تعزز من نفوذ السوفيت.
       وكان التوجه الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية منذ الأربعينيات والتي كان يهدف اليها مبدأ ترومان في الأساس كما اشرنا آنفاّ يقوم علي استراتيجيتين أساسيتين , وهما اللتان بُني عليهما النظام الدولي , الإستراتيجية الأوليواقعية التوجه , حيث تدور حول الإحتواء والرد , والحفاظ حول توازن القوي العالمي وذلك في مواجهة أخطار التوسع السوفيتي , وملء الفراغ الذي خلفه تراجع الإمبراطورية البريطانية وإنهيار النظام الاوربي , ومده بالثقل الموازي للإتحاد السوفيتي , وكانت سياسة الإحتواء تهدف إلي حرمان الإتحاد السوفيتي من قدرته والتأثير في مناطق نفوذه  وقد تم الاستقرار في هذه الفترة من خلال الردع النووي
          وفي تلك الفترة دفعت للتشكيك في جدوي سياسة الاحتواء التي تتبعها الولايات المتحدة الامريكية, وقد وجه الجمهوريون نقداّ لاذعاّ لهذه السياسة, وفي مواجهة هذه التطورات قامت الولايات المتحدة وإحدي عشر دولة أوربية بإنشاء منظمة حلف شمال الأطلنطي,وقد تم التوقيع علي ميثاقها في واشنطن بتاريخ 4أبريل 1949م ثم انضمت اليها بعد ذلك تركيا واليونان . 
          أما الاستراتيجية الثانية : فقد كانت تهدف إلي إعادة البناء الاقتصادي العالمي من خلال التوجه الليبرالي الذي كان يهدف إلي عدم العودة إلي حقبة الثلاثينيات التي ساد فيها الركود والحروب        التجارية والاستراتيجيات المتنافسة من خلال التكتلات الإقليمية, ومن خلال هاتين الإستراتيجيتين , فإن الولايات المتحدة استطاعت أن تمارس قوتها وتحقق مصالحها القومية وكانت النتيجة التي تهدف إليها وقد تجلت في اوائل التسعينيات كما سيتضح في الفصل التالي. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ                                                        *  اول من قام بتقسيم دول العالم الى ثلاث كتل هو (الفريد سوفيه )فى عام 1952 حيث وجد بعد الحرب العالمية الثانية ان هناك كتلتين كبرى فى العالم وهما القوتين التى كانت فى مواجهة بعضهم فى الحرب العالميةالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ولكن من وجهة نظر الفريد سوفيه الفرنسي وجد ان هناك دول لاتنتمى الى اى من القوتين الكبرىاطلق عليها دول العالم الثالث والعالم الاول هى الدول التى تتمتع بتتطورتكنولوجى كبيروهى الدول التى تعتمد على الراسمالية فى حكمها مثل ( امريكا , فرنسا , انجلترا ) ودول العالم الثانى هي الدول التى من انصار التجربة الاشتراكية والرافضة لافكار دول العالم الاول الراسمالية الاتحاد السوفيتى (روسيا حاليا) و دول العالم الثالث هى الدول التى تشهد نمو بطىء ولا يوجد بها تتطور تكنولوجىومعدلات بطالة مرتغعة وعدم قدرتها على استغلال الموارد الطبيعية بها http://forum.sh3bwah.maktoob.com/t194490.html
                                                                                           
       ومبدأ ترومان تمثل في الخطاب الذي وجهه الرئيس الأمريكي "هاري ترومان" في مارس 1947م أمام الكونجرس موضحاَ اعتزام الحكومة الأمريكية تقديم يد العون والدعم للشعوب التي تتعرض للتهديدات من جانب الشيوعية الدولية , سواءَ عن طريق الضغط الخارجي أو عن طريق الإعتماد علي بعض القوي الداخلية الموالية للشيوعية ,وقد تضمن هذا المشروع تخصيص مبلغ 400مليون دولار كمساعدات إقتصادية لكل من اليونان وتركيا , بعدما أعلنت بريطانيا عن عدم استطاعتها الاستمرار في تقديم المساعدات التي كانت تقدمها إلي هاتين الدولتين وذلك لتدهور قدرة بريطانيا الإقتصادية.(1)
       ومختصر القول إن سياسة الإحتواء أو مبدأ ترومان يكاد يكون بمثابة إغلاق الباب ضد أي ثورة , الأمر الذي يعني أنه من الممكن مساندة أي نظام حتي و لو كان ديكتاتورياَ مادام يدعي بأن القوي المضادة له قوة شيوعية , وبهذا الإعلان الأمريكي تكرست القطيعة بين السوفييت والأمريكان 0 (2)                                                                                                                        ومن جهة أخري لزيادة تعقيد عملية البناء والتطور الجديد في أوربا الشرقية والوسطي , بما فيها الإتحاد السوفيتي , فرض الغرب أيضاَ , وبقيادة الولايات المتحدة حصاراَ اقتصادياَ تجارياَ شاملاَ علي دول المعسكر الشرقي , وهو وضع لم يكن قائماَ بين بلدان القارة الأوربية قبل الحرب , وقد خلقت هذه السياسة المقصودة صعوبات إقتصادية وإجتماعية أمام الشعوب شرق أوروبا وأنظمتها , وكان الهدف من ذلك زعزعة الإستقرار في الدول الشرقية الجديدة ودفع شعوبها للتعبير عن استيائها من أنظمتها الإشتراكية, للمقارنة بين المعيشة
2 ـ مشروع ما رشا ل .         Marshall  Plan                      
           وهذا المشروع كان يهدف إلي إنتعاش الإقتصاد الأوروبي , ومن هنا كان تحرك الولايات المتحدة ـ التي أخذت زمام المبادرة في زعامة ما أطلق عليه العالم الحر ــ فأعلن وزير خارجيتها جورج مارشال في محاضرة في جامعة هارفرد , في 5 يونيو 1947م , مبادرة مهمة هي ما عرف فيما بعد باسم " مشروع مارشال " , فطلب مارشال في محاضرته وضع برنامج خاص لمعاونة أوربا اقتصادياّ مبيناّ أهمية إعادة إحياء الإقتصاد الأوربي وطالب جميع الدول الأوربية وكانت الدعوة تشمل أيضا الإتحاد السوفيتي , بالتعاون فيما بينها لوضع خطة لإعادة تعمير الإقتصاد الأوروبي (4)
           وكان الباعث وراء إعلان هذا المشروع ما لوحظ آن ذاك من نجاح بعض الأحزاب الشيوعية الأوروبية في الحصول علي أعداد متزايدة من المقاعد في برلمانات بعض الدول الأوربية ( ولا سيما في كل من فرنسا وإيطاليا) وقد تم بمقتضي هذا المشروع تخصيص خمسة مليارات دولار سنوياَ توجه لدعم اقتصاديات الدول الغربية بإعتبارها تمثل خط الدفاع الأول عن المعسكر الليبرالي في مواجهة الخطر الشيوعي , كما أن هذه المساعدات تعمل علي ربط اقتصاديات الدول الأوروبية بالإقتصاد الامريكي وبالنظام الرأسمالي ,  ولجعل أوربا الغربية منطقة نفوذ امريكية
      وقد كانت الدعوة إلي تعمير أورويا خدمة للإقتصاد الأمريكي , وذلك بتوفير أسواق جديدة له في فترة التعمير , ثم بعث شريك في المستقبل عندما تتم أعادة تعمير الإقتصاد الأوروبي ,وذلك لأن الولايات المتحدة الأمريكية قد خرجت من الحرب لا تحتاج لإعادة تعمير لأنها لم تتعرض لأي إصابات فخرج إقتصادها بالغ القوة , في مواجهة عالم بالغ الضعف من حيث القدرة علي الإنتاج والتبادل , وفي ضوء مبادرة مارشال المشار إليها اجتمعت ست عشر دولة أوروبية في باريس , وكوّنت ما عرف بالمنظمة الأوروبية للتعاون الإقتصادي  ,                     Organization of European Economic Co-operation (O.E.E.C). للنظر في دفع النمو  الاقتصادي لهذه الدول , وتوفير الاستقرار المالي وتدعيم التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء وتشجيع الاستثمار وع طلب المساعدة من الحكومة الأمريكية.            
الجانب السوفيتي 0                                   The Soviet side                                                                                                                                            .       وحيال ذلك لم يكن المعسكر الشيوعي يقف متفرج أو مكتوف الأيدي فقد كانت الإستراتيجية السوفيتية تعمل علي تثبيت وتأمين دعائم الشيوعية في أوروبا الشرقية خلال مرحلة الحرب الباردة فقد تمثلت أهدافها الرئيسية للإستراتيجية مشابهةَ للأدوات التي استخدمتها الولايات المتحدة وحلفاءها في إطار  سياسة الإحتواء , وقد كان ابرز الأدوات كالتالي:                                                                                                         1ـ الأحلاف العسكرية                         Military alliances.                                            وعلي الجانب الآخر قد نجح الإتحاد السوفيتي في فرض سلسلة من المعاهدات التحالفية الثنائية علي دول شرق أوروبا التي اخضعها لسيطرته الكاملة من خلال إقامة نُظُم حكم شيوعية موالية له فيها وكان من أبرزها                        أ ـ معاهدات التحالف الثنا ئي0    The bilateral alliance.
v    معاهدة التحالف بين الإتحاد السوفيتي وبين تشيكوسلوفاكيا عام 1943م0
v    معاهدة التحالف بين الإتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا عام 1945م0
v    معاهدة التحالف بين الإتحاد السوفيتي وبين كلّ من رومانيا والمجر عام 1948م0
v    معاهدة التحالف بين الإتحاد السوفيتي وبين الصين الشعبية عام 1950م0
وكان بمقتضي هذه التحالفات كان من حق الإتحاد السوفيتي الإبقاء علي قواته العسكرية أو البعض منها في هذه الأراضي و فرض هيمنته علي هذه الدول , وفضلاَ عن ذلك تمكن من إستخدام هذه  القوات في إخماد كافة المحاولات الشعبية والحركات القومية التي حاولت التمرد علي الهيمنة السوفيتية 
                                                                                      
ب ـ حلف وارسو  0            Warsaw Pact

          لقد تأسس هذا الحلف كرد فعل مباشر علي قيام حلف ألأطلسي الجديد الذي ضم المانيا الغربية كدولة  عسكرية قوية في قلب أوروبا , وهذا في حد ذاته يعتبر تهديداّ للأمن القومي السوفيتي, وامام هذا التطور  كان لابد أن يكون هناك رد سوفيتي او رد جماعي من قبل دول أوربا الشرقية , ولهذا استطاع الإتحاد السوفيتي اعادة استراتيجيتة الدفاعية في هذا الحزب
          ولقد تمثل الهدف الرئيسي لحلف وارسو لمواجهة سياسة الإحتواء التي اتبعتها الولايات المتحدة وحلفاءها , وايضا محاولة تثبيت وتدعيم نفوذ السوفييت في أوروبا الشرقية , وقد نجح السوفييت من خلاله نشر الايديولوجية الماركسية وفرض سيطرتهم علي دول شرق أوروبا, ويعتبر خطاَ دفاعيا وحزاماّ أمنياّ يحول دون تغلغل
الأفكار الليبرالية المناهضة للشيوعية التي يبثها الغرب علي دول الشرق

           ولم تكن ترتيبات الدفاع عن غرب أوروبا هي المشكلة الوحيدة التي تزعج موسكو , فقد أضيف لها تطوران مرتبطان بسياسة الأمن الأمريكية أثناء فترة الحرب البارد 00 الأول ما كان يُطلق عليه السوفييت " هوس التحالفات" الأمريكية و"التطويق الرأسمالي" 00 والثاني كان الرغبة الجلية للولايات المتحدة الأمريكية لتطوير الأسلحة والوسائل الإستراتيجية الأخري التي تتيح لها توجيه "أول ضربة نووية" علي الإتحاد السوفيتي , وحينئذ ـ فقط ـ رأي السوفييت أن عليهم إنشاء منظمة حلف وارسو .  W.T.O 

        وقد ظهر حلف وارسو إلي حيز الوجود في 14مايو1955م وذلك عندما وقعت دول أوروبا الشرقية الشيوعية نص المعاهدة والذي أشتمل علي عدة مواد , وقد وقعت هذه الإتفاقية كلٍ من : بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا والمانيا الديمقراطية والمجر وبولونيا ورومانيا والبانيا والإتحاد السوفيتي , وقد صدر عن هذه المعاهدة تكوين قيادتين موحدتين , الأولي سميت بالقيادة العسكرية الموحدة , والثانية اللجنة السياسية الإستشارية 
      إلا أن البانيا قد انسحبت من حلف وارسو إثر خلافها مع الإتحاد السوفيتي وإنحيازها إلي جانب الصين الشعبية , أما يوغوسلافيا فقد رفضت الإنضمام إلي الحلف ؛ نظرا َ لإعتناقها سياسة عدم الإنحياز , ولم يجد السوفييت آنذاك بدا َ من الإعتراف ليوغوسلافيا بحقها في أن يكون لها أسلوبها الخاص في التطبيق الإشتراكي      


 2 ـ الأداء الإقتصادي0     Economic performance
           جاءت المواجهة الأيديولوجية بين الرأسمالية والإشتراكية إستجابة لإعتبارات متناقضة في كلٍ من المعسكرين , ولكنها مطلوبة لكل منهما علي السواء , كل ِ له أسبابه الخاصة . ووجد الإتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية في هذه المواجهة الجديدة استمرار للحرب الإقتصادية , وهي حرب ضد التخلف وراء أسوار من الحماية , وبدأت تستقر فكرة أن تحقيق التقدم الإقتصادي هو نوع من إقتصاد الحرب
          ولذلك عندما طالت المفاوضات بين فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي , القوي الأربع ,حول شكل الحكومات الألمانية المحتملة قد طالت بدرجة كبيرة وتعقدت الأمور بينهم , وفي يونيو/حزيران 1947م أسس السوفييت من طرف واحد أدارة إقتصادية لمنطقتهم وقطعوا بعنف الإتصال مع مناطق الإحتلال الأخري   ومن هنا لجأت السياسة الخارجية السوفيتية إلي استخدام الأداة الاقتصادية لربط دول أوربا الشرقية بالإتحاد السوفيتي , وكان من أبرز الخطوات في هذا الصدد الإعلان عن قيام مجلس المعونة الإقتصادية المتبادلة بين الدول الإشتراكية في يناير 1949م , والذي عُرف اختصارا ً بمنظمة الكوميكون  COMECON , وقد ضمت هذه المنظمة في عضويتها كلا من بلغاريا, تشيكوسلوفاكيا, المجر , بولندا , ورومانيا بالإضافة إلي الإتحاد السوفييتي .
       في فبراير1948م ـ نفس الشهر الذي ضرب فيه الشيوعيون ضربتهم في تشيكوسلوفاكيا ــ دعت كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لمؤتمر في لندن للتفاوض حول تشكيل دولة المانيا الغربية ,وكرد فعل لهذه الدعوة إنسحب السوفييت من مجلس المراقبة , وفي 11 يونيو من نفس العام1948م  أعلن قرار إنشاء دولة المانيا الغربية , وبعد اسبوع اي في 18يونيو1948م أعلنت القوي الغربية الثلاث إتخاذ قرار إدخال العملة المعدلة في مناطقهم , تبعه قرار من السوفييت بتعديل العملة في كل برلين, وفي23يونيو طرحت عملت المانيا الغربية الجديدة, رد السوفييت في اليوم التالي بإغلاق المناطق الغربية من المدينة وسدوا الطرق البرية داخلها وقطعوا عنها الكهرباء وكان حصار برلين 1948-1949م0
3ـ الأداة الدعا ئية                Propaganda  tool
         لعبت الأداة الدعائية دورا ً بارزاً خلال سنوات الحرب الباردة كأداة من أدوات التنافس و الصراع فيما بين المعسكرين , ومرده  إلي تزايد أهمية العامل الأيديولوجي في العلاقات الدولية , وراح كل من القطبين متأثر بأيديولوجيته وقيمه , بل كان  متمسكا ًبهما , وكان يضفي صبغة أيديولوجيته علي الصراع الدولي وعلي مواقفه إزاء الطرف الآخر, وقد استخدم السوفييتالأداة الدعائية لتحسين صورتهم علي المستوي العالمي , ولا سيما في مواحهة دول العالم الثالث فأطلقوا علي الدول الإشتراكية تسمية الدول المحبة للسلام Peace Loving States  وراحوا يصفون الدول الغربية بالدول الإستعمارية والإمبريالية لتشويه صورة الدول الغربية لدي الدول النامية حديثة الإستقلال ,وإن الرأسمالية هي محرك الصراع والتوتر لتناقضها 
            وعلي الجانب الآخر, تجمع ممثلون عن 18دولة شيوعية أواخر عام 1948م في بولندا وأقروا إقامة مكتب استعلامات( الكومنفورم )* ومقره في بلجراد (بيوغسلافيا سابقاّ) , وأكدت هذه الدول أنه: قد تبلور في العالم خطان سياسيان متعارضان, ففي الطرف الأقصى نجد الإتحا السوفيتي والدول الديمقراطية وهي تهدف إلي القضاء علي الإستعمار ودعم الديمقراطية وفي الطرف المقابل تقف أمريكا وبريطانيا وتهدفان إلي دعم الإستعمار وخنق الديمقراطية , وأن دول الكومنفورم تقف عقبة أمام تحقيق الخطط الاستعمارية التي تهدف إلي السيطرة علي العالم وسحق الحريات الديمقراطية وزاد التوتر الدولي آنذاك وتيرة الحرب الباردة .
           و لقد توجه ستالين بأنظاره إلي الغرب فبدأ في مساعدة ودعم الثورة الشيوعية  في اليونان في الوقت الذي أعلنت فيه بريطانيا عام 1947م عدم إستطاعتها الإستمرار في الوفاء بإلتزاماتها بدعم اليونان وتركيا , وكذالك الإضرابات التي شهدتها فرنسا بدعم من الشيوعيين, وتزايدة قوة الشيوعيين في شمال إيطاليا , ومن هنا رأي الغرب أن ستالين له أطماع في أوربا الغربية وبدأ يخطط لفرض السيطرة , وبسط نفوذه عليها .فقامت الولايات المتحدة بإنشاء قوة للمهام البحرية في الشرق الأوسط.
وهكذا , نري أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تنظر لأي حركة مقاومة أو تحرر ضد الإستعمار البريطاني أو الفرنسي علي أنها حركة شيوعية تعمل بإيحاء من الإتحاد السوفيتي وتتلقي الدعم منه , وبالتالي تري الولايات المتحدة أن أي نتائج تحققها تلك الحركات تعد في مصلحة الإتحاد السوفيتي وتعتبر ضد مصلحة نفوذها , وهذا في الأساس يصب في مصلحة الدولة المستعمرة في المقام الاول .